-A +A
ماجد محمد العنزي
أخبرني أحد الزملاء الأعزاء عن قصة جميلة وعميقة بمعناها سأرويها لكم . يحكى في قديم الزمان عن بقرتين تجلسان بجوار النهر كل صباح، وفي أحد الأيام شاهدتا شيئا يطفو أمامهما واختلفتا في ماهية ذلك الشيء. قالت البقرة الأولى بأن ذلك الجسم الطافي هو تمساح مفترس دائم التجول، غضبت البقرة الثانية وأجزمت بأنها قطعة خشبية تائهة في النهر. احتد الجدال بينهما حتى فكرت الأولى بقطع الشك باليقين، ولم تجد أفضل من الاقتراب من ذلك الجسم الطافي لتثبت رأيها ويتحرك التمساح ثم تهرب، اقتربت كثيرا وهجم عليها وقام بالقضاء على حياتها. وما كان على البقرة الثانية إلا أن تشاهد السيناريو المرعب واكتفت بقول : (أوه ! تمساح فعلا)..
ما أكثر الفوائد التي يمكن استقاؤها من هذه القصة، ولعل الأبرز منها هو أن إثباتك للحقيقة قد يكلفك ثمنا باهظا، فالبقرة المسكينة خسرت حياتها من أجل صديقتها التي لم تصدقها. وكان ثمن اقتناعها بالواقع هو روح كانت تساعدها على فهم ما يحدث.

لندع الأبقار وشأنها، ماذا لو جلس مواطن ومسؤول على ضفة ذلك النهر واحتد الجدال بينهما ؟ سيشير المواطن إلى أزمة السكن، العمل، النقل، الصحة والفقر المعكوسة على سطح الماء وينفي المسؤول رؤيتها ! ثم يحاول مرة أخرى لإثبات تلك الحقائق التي يعاني منها المجتمع وتتطلب وقفات وقرارات جادة لكي ينالوا أبسط مقومات الحياة الكريمة، ثم لا يجد أي تفاعل حقيقي يفي بالغرض.
حينها قد يضطر ذلك المواطن إلى رمي نفسه بالماء ليؤكد ما يشكو منه، لكن السؤال الذي يطرح نفسه : هل سيقول المسؤول ( أوه ) ويفهم أن المشكلة حقيقية ؟ أم أنه سيستمر ويصرح بأن الأمور على ما يرام ؟ وماذا سيحل بمن رمى نفسه ؟ .. الأجوبة ستظهر جليا في تصاريحهم حول الإدارات والوزارات التي يديرونها وما مدى دقة تنفيذ الوعود على أرض الواقع. فوجود الساعات الالكترونية بجوار كل مشروع لم تعد كافية وإطلاق الوعود الصحافية بحاجة إلى ضمانات تريح ضمير المواطن والوطن من سوء الانتظار.
Qalb-jo@hotmail.com